نبـــذة عن حيـــــاة الشيخ شرفاوي عبد القادر البرازي
مولـــــــــده:
ولد الشيخ شرفاوي عبد القادر البرازي طيب الله ثراه سنة 1864م بقرية لامارتين دائرة واد الفضة و قت ذاك ولاية الجزائر في ذلك العهد ولاية الشلف حاليا .
و توفي رحمه الله سنة 1936م بقرية عين بويحي دائرة مليانة سابقا العبادية حاليا ،ولاية عين الدفلى اليوم .
حيــــاتــه:
ولد الشيخ عبد القادر البرازي من عائلة متدينة تقية ورعة من أشراف أهل القرية المولود بها فأخذه والده مدرسة العلامة التقي الورع الفاضل الشيخ ولي الله السيد بن دوبة بقرية واد الروينة إداريا إلى مدينة مليانة سابقا و كان لهذه المدرسة شهرة كبيرة انتقل إليها العدد الكبير من طلبة العلم المسافرين بما يسمى حاليا بالنظام الداخلي و هي بحق مورد من موارد العلم و السلوك حيث تخرج منها العلماء و الأولياء و الصالحون من أهل الله العارفين .
إجازتــــــه:
بعد ما أجازه شيخه الشيخ بن دوبة و بتوجيه منه ، أشار عليه أن ينتقل إلى قربه عين بويحي ليبني مدرسة بها
و قد ساعده في ذلك مساعدة كبيرة الحاج أحمد رحمه الله القائد آنذاك على القرية المذكورة ، فتم ذلك بعون من الله بناء المدرسة وورد عليها ما ورد من أهل العلم و الفضل ورواد حفظة كتاب الله العدد الكبيـر من مختلف أبناء الوطن مدة سنتين إلى ماشاء الله ، حيث تخرج مئـات المئات منها ليكونوا بعد ذلك شيوخـا ومصلحين
و معلمين من أهل العلم و التقى و الرشاد . و نذكر على سبيل الإختصار منهم الشيخ العلامة زيدوك الديواني محمد إمام المسجد الكبير بالجزائر و العلامة السيد محمد بوزيان بالعامرة إلخ …
و كان للمدرسة نظام داخلي يتم تمويل هذا العدد الكبير من الطلبة من أهل الفضل و الإحسان من الفلاحين و أهل الخير من سكان القرية المجاورين للمدرسة و كان القصد من كل الممولين للطلبة ابتغاء وجه الله . فالتعليم في سبيل الله ، لا مرتبا شهريا ولا دخلا و لا مساعدة معهودة أو محـدودة للشيخ و كذلك التمويـل من أهل القريـة أيضا في سبيل الله و القصد من الجميع ابتغاء رضاء الله عسى بذلك يدخلون الجنة “اللهم أدخلهم الجنة و قصد مواجهة الإستعمار في محاولاته التي كان يسعى بها طمس المعالم الإسلامية و تجهيل المواطنين و إبعادهم عن دينهم و لغتهم و ثقافتهم ،حيث قام بشتى الوسائل لتمسيحهم ، فباء في كل ذلك بالفشل الذريع ، فشعـب الجزائر مسلم دينا و عقيدة و لغة و تاريخا كما قال بذلك الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله ، و مانالت من وراء ذلك فرنسا إلا الخزي و الفشل الملحوظ.
ولولا رعاية الله و جهود أجدادنا و قيامهم بما يجب القيام به لكادت فرنسا أن تحقق أهدافها ، لكنهم رحمهم الله كانوا لها بالمرصاد إيمانا راسخا لا يهتز و لا يتبدل و لا يتغير ، ثابتا كالطود العظيم رغم قلة الإمكانيات و الفقر لكن كانوا أقويــاء بإيمانهم و عقيدتهم الراسخة طيب الله ثراهم و جزاهم عنا خير الجزاء آمين .
وفــــاتــــه :
تـوفي الشيخ شرفاوي عبد القادر البرازي رحمه الله سنة 1936 بقرية عين بويحي و كانت جنازته مشهدا رائعا و منظرا رهيبا من المشاهد التاريخية و محفلا كبيرا من المحافل التي لا تنسى ، حضرها مئات المئات من العلماء و أهل الصلاح و الفضل و الرشاد فضلا عن العدد الكبير من المواطنين من مختلف الأعمار ومن مختلف القرى و البلديات و المدن.
بنــــاء المسجــــد :
شاءت إرادة الله أن يبنى المسجد في نفس المكان الذي كان يعلم فيه في مدرسته و أرضه التي هي ملك له أهداها للجمعيــة الدينية ، و لداه الحاج الميسوم و الحاج بن شرقي قصد بناء مسجد و قصد ابتغاء مرضاة الله خالصة لله وحده الذين أخلفا من بعد موته معلم و إمام على التوالي ليقومان مقامه و يواصلان المسيرة إقتداء بأبيهما و أجدادهم.
ومن رحمه الله و فضله منذ مئات السنين و الحمد لله لازال القرآن يتلى مدويا في هذا المكان الطيب الذي أخرج للجزائـر العلماء و المصلحين و حفاظ كتاب الله ليتلى آناء الليل و أطراف النهار وفي كل حين إلى يوم الدين إن شاء الله.
و اعترافا بهذا الفضل و الجهد الملحوظ لشيخنا قام رجال أفاضل جزاهم الله و سدد خطاهم و حفظهم من المســؤولين لا نذكرهم فأسماؤهم عند الله وهو وحده الذي يجازيهم ، آمين ، بتسمية مسجد بلدية عين بويحي بـ:
مسجد الشيخ شرفاوي عبد القادر البرازي تخليدا له و لعمله وما الجزاء إلا من عند الله سبحانه جل علاه رحم الله الشيخ شرفاوي عبد القادر البرازي ، وطيب ثراه آمين .
بقلم حفيده : عبد الفتاح شرفاوي
نبـذة تاريخيـة عـن حيــاة الولي الصالح سيدي بلحاج رحمه الله
هو الشيخ الأجـل و الولي الأكمل سيدي محمد بن الحاج محمد بن عمر ولد بفرقة الخول بلدية عريب سنة 1870 م في أحضان عائلة مشهورة بالشرف و العلم الصلاح و التقوى فنشأ على الطهارة و العفاف و حفظ القرآن الكريم و طلب العلم و جد في تحصيله عن كبار مشايخ منطقة جليدة و كذا عن شيخه الفاضل سيدي بلقاسم المرايمي بعين الدفلى .
فلما إشتد عوده و بلغ سن الشباب إشتد شغفه بالعلم و ما تحصل عليه من معارف و حمله ذلك على السفر إلى جامع الزيتونة نتيجة حرص أبيه على تعليمه هناك إلا أن أمنية أبيه لم تتحقق كون هذا الأخير إنتقل إلى رحمة الله .
و بعد هذه الفترة بدأ يزور الشيخ سيدي بن شرقي قدس الله سره و نور ضريحه صاحب زاوية العطاف عندها دخل طريق القوم فأخذ العهد على الشيخ الأجل العارف الأكمل سيدي بن شرقي المتصل السند تربية و علما عن سيدي محمد بن أحمد عن سيدي الميسوم عن سيدي عدة هذا الأخير كان سباقا في نشر تعاليم الدين الحنيف و مبادئ الطريق رضي الله عنهم أجمعين .
فلما وفد بصدق التوجه على شيخه حتى نال المرتبة العليا و فتح الله عليه بعلوم الدنيا و الآخرة و تأهل ليكون وارث سره و خليفته في طريقته بأمره ثم أذن له بعد ذلك في تأسيس الزاوية الحالية سنة 1918 م و تخرج منها المئات من الأساتذة و المعلمين و مختلف الإطارات المتواجدين حاليا في أجهزة الدولة كما لعب دورا كبيرا في حل النزاعات بين الناس دون اللجوء إلى العدالة فضلا عن تعليم الناس للقرآن الكريم و الفقه و السلوك القويم .
أمــا موقف الشيخ من الثورة فكان أشد المقاومين بالذود عن العربية و القرآن الكريم و الدين و كان يدعم المجاهدين بالمال و المؤونة لإخراج المستعمر من هذا الوطن العزيز .
هذا دأبه طوال حياته في الوعظ و الإرشاد إلى أن إلتحق بالرفيق الأعلى في 17/06/1966 م في موكب جنائزي مهيـب و دفن بزاويته التي مازالت منارة للعلم و المعرفة إلى يومنا هذا .
نفعنا الله به و ببركاته آمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و أصحابه أجمعين .
نبـــــذة عن حيــــــاة الولي الصالح سيدي الحاج بن شرقي
اسمه، أصله و نسبه :
هو محمد و لقبه بن شرقي بن سيدي قدور بن سيدي قويدر بن الحاج لحسن يرتبط نسبه بسيدي أحمد بن عبد الله الذي يقـع ضريحه شرقـي مدينـة الشلف و ينتهـي نسبه إلى الحسن بن علي بن فاطمـة الزهراء بنـت الرسول صلى الله عليه و سلم.
تاريخ ميلاده :
ولــد الشيخ بتاريخ تقديري 1239 هجرية الموافق لـ :1831 ميلادية ببلدية واد الروينة –زدين – ماتت أمه و هو صغير فتولى أبوه تربيته فحفظ القرآن الكريم على والده برواية ورش ثم حج أبـوه الحجة الثانية و مات بالبقاع المقدسة و عمره أنذاك 17 سنة .
تعليمه :
لما اتم حفظ القرآن الكريم جاء به أبوه من قرية زدين و وضعه في أحضان المربي الصالح العارف بالله الفقيه الشيخ سيدي محمد الفقيه بلعربي و هذا بعد وفاة امه و عزم أبيه على السفر لأداء فريضة الحج فلم يجد في القوم رجلا امينا على إبنه مثل الشيخ الأكبر الفقيه بلعربي فنهل منه العرفان و العلوم و قرأ عليه القرآن بالروايات 21 سلكة. و تاقت نفسه بعد ذلك الى العلم و المعرفة فتتلمذ على يد الشيخ سيدي الحاج جيلالي بن المكي من ابناء عمومته فحفظ متن الشيخ خليل في الفقه و السنوسية في العقائد ثم ساح من مسقط رأسه غربا فساقه القدر الى حيث ضريحه الأن على ضفاف نهر الشلف ببطحاء العطاف، فحل بالمكان الذي كان به الشيخ الذي يتصل نسبه هو الآخر بسيدي أحمد بن عبد الله المذكور سابقا ، فانضم إلى طلبته حيث كان الشيخ يحفظ القرآن على الروايات السبع فختم عليه عشريـن ختمة رغم أنه جاء حافظا من قبل .
كان خلالها يخدم شيخه و يقوم بحاجته داخل المنزل و خارجه ، و لصفاء سيرته و حسن سلوكه زوجه إحدى بناته و هي السيدة عودة التي ولدت له علماء أولهم سيدي الحاج محمد الشارف و السيد الحاج بلعربي …..، و لما دنا أجل الشيخ الفقيه بلعربي أوصى تلميذه الشيخ بن شرقي على عائلته و أولاده القصَـر آنذاك فكان نعم الوصي و الحافظ للوصاية و الرعاية إلى أن بلغوا الرشد و سعـى إلى تعليمهـم و تفقيههم ثم زوجهم و أفردهم بسكن وحدهم ، و بوصية من شيخه أصبح يشرف على طلبة القرآن الكريم منذ حياة شيخه الذي قدمه على سائر طلبته فكانت وصايته و تقديمه إنفتاحا على أفق آخر ، أفق الأسرار و الأنوار الربانية فذاع صيته في ربوع الأقطار لما كان يتحلى به من الورع و التقى و العفة و الزهد .
فعظمة الشيخ بن شرقي في الزهد و البذل للفقراء و المساكين كانت تملأ الزمان و المكان ، بما لا نظير له في زمنه فما يزيد طعامه و إطعام أهله إلا على ما وجد ما يسد الرمق ، و الملبوس الخشن رغم ما كانت الهدايا تفد عليه من كل ناحية بأنواع الملبوسات الحريرية و الأطعمة الشهية فيحرم نفسه و أهلـه و يقدمهـا للأرامل و اليتامى و ذوي العاهات خصوصا في سنين المسغبة .
لقد كان يصوم النهار و يقوم الليل و يفطر على خبز الشعير و يختم القرآن الكريم كله في نفله ليلا كل ليلة ، فلا مكان في حياة الترف عنده و لا مباهجها و لا مكان للقاعات المفروشة و لا للزرابي المبثوثة و لا للنمارق المصفوفة و لا للأكواب الموضوعة ، فكان عبدا ربانيا يقف عند الأثر : أزهد ما في أيدي الناس يحبك الناس . فلم يثبت مطلقا أنه كان يزور تلاميذه و اتباعه رغم محاولتهم ذلك .
كان شاذلي الطريقة ، أخذها عن أشياخه الذين عاصروه ، أمثال الشيخ سيدي عدة غلام الله ، و الشيخ الميسوم و الشيخ محمد بن أحمد و كفى بهم من رجال علم الظاهر و الباطن .
مواقفــــه :
لمـا جاءت حملة الراهب لفيجري عام 1872 لتمسيح الأهالي و تنصيرهم و شرع في بناء قرية : سان سيبريان – يخصها للأيتام المتنصرين و اسكنها عائلات منهم و منحهم أراض فلاحية ، شعر الشيخ بالخطـر الذي يحـدق بالإسلام و المسلمين ففتح الزاوية لإستقبال الفقراء و المساكين و المهاجرين بحثا عما يسد به جوعهم ، فعلم الجاهل و أدخله الجامع مع طلبته لحفظ القرآن الكريم ، و كان إذا جمع الطالب و ألمَ بشيئ من الفقه قال له : أسـرع إلى أهلك و إفتح محلا إجمع فيه أبناء قريتكم قبل أن يلحقهم التنصير .
و الفضل ما شهدت به الأعداء ، رسالة كتبها راهب هذه القرية إلى رئيسه -لويس 14- يشكوه الشيخ ليقول له إني بليت بشخص إسمه بن شرقي كل ما أبنيه بالنهار يهدمه بالليل . و الرسالة هذه وقف عليها المحافظ الوطني لجبهة التحرير بعين الدفلى (السيد قاسة عيسى ) لما مر على قرية الشيخ بن يحي (سانت مونيك) سابقا قال : كان من المفروض أن تسمى قرية الشيخ بن شرقي لأنه هو الذي حارب حملة التنصير.
و للشيـخ بن شرقي مواقف جليلة في نشر تعاليم الإسلام فما بناء مسجد العتيق بالعطاف إلا بأمر لما كان يتسوق سوقه يوم الأربعاء و تجمع حوله الجموع الغفيرة فيذاكرهم و يرشدهم فجمع له مرة مقدارا من المال فامتنع من قبوله و أعطاه لأحد الحاضرين و قال له : اشتروا به أمتارا من الأرض في هذا المكان و ابنوا فيه بيتا يصلون فيه المتسوقين و يبيتوا فيه أفضل من العراء ذلك لأن الإستعمار كان يقصد الأسواق و يغري المنكوبين و الفقراء و يجرهم إلى النصرانية . و هكذا طلـب من أتباعه و محبيه أن يسعوا إلى فتح بيت للصلاة و قراءة القرآن في كل من وادي الفضة و العبادية وواد روينة . وجـاء زائر له من تيسمسيلت (فيالار) آنذاك و قدم مقـدرا من الذهـب (لويز) ليستعيـن به فسأله الشيخ ما كان معه و قال له ابن بهذا مسجدا ورتب فيـه طلبة لتعليم القرآن و الدين ، فكان عند حسن الظن فباع جزءا من أملاكه العقارية ورتب فيه طلبة و شيخا لتعليم القرآن و العلم وأسماه جامع سيدي بن شرقي و هو معروف إلى الآن بهذا الإسم .
كراماتــه :
أما كرامات الشيخ فهي كثيرة و متواترة لا نريد التعرض لها لأن الشيخ رحمه الله كان يمنع التحدث بها و كلنا يعلم أن الرسول عليه الصلاة و السلام قال :” إن لله رجالا لو أقسموا على الله لأبرهم “.
لقد حاولت فرنسا أن تدفع الشيخ للوقوف إلى صفها بإغرائه ببناء صور يقي الزاوية من فيضانات نهر الشلف في فصل الشتاء و ربط الزاوية بالتيار الكهربائي الذي كان يمر بها فلم يقبل بذلك . وجاءه قسيس “سان سيبريان ” يقول له إن فرنسا تطلب منك الأمر أن تساعدك فيما تحتاج إليه فقال الشيخ : أريد المساعدة في قول :”لا إله إلا الله محمد رسول الله ” إشارة إلى وقوفه ضد ما يريدونه من طمس الوطن و مسح الإسلام منه و أنه واقف لهم بالمرصاد.
ومما جاء على لسان أحد مريديه مشيدا بنفحات الشيخ بن شرقي و عطاءاته قائلا :
شيخنا هذا طبيـــــــب **** يبري من كان فيه العيب
يسقــــــي للمحــــــب حليب **** نظرته تريــــــاق
يا من تــــرد القــرب **** زور الشيـــــخ المربــــــي
صاحب العلم الوهب **** و أستاذي بن شرقي
و كـان للشيخ رحمه الله و رضي عنه و أرضاه مريدوه من كل الجهات منهم علماء بارزون و فقهاء مشهورون أمثال الشيـخ سيد الحاج أحمـد الفقيه و أخيه السيد الحاج علـي و كذا الشيـخ البوعبيدي و الشيخ الحيـاوي و الشيـخ سي الحاج الجيلالي عتبة و الشيخ سي بلحاج ببلدية عريب و الشيخ سي بن أحمد ببلدية بوراشد و الشيخ البوعبدلي من بطيوة بالغرب ، و الشيخ النداتي من بلدية عين الدفلى ، هذا في المحيط القريب وكان له مريدون في أرجـاء واسعة من الوطـن في معسكر و شرشال و العاصمة..
آثـــــاره :
أمـا بالنسبـة لآثـاره فقد رفـض رضـي الله عنه أن يقـال عنه أو يكتـب عنه شيئ أيام حياته ، و كثيرا ما كان يقول :و الله لا أملك شيئا و ما أنا إلا واحد من عامة الناس ـ شأنـه في ذلك قول الصالحيـن القائلين : “و أمرت أن أكون من المسلمين و أن أتلو القرآن ” و هذا هو دأبه رحمه الله و رضي عنه.
وفاتــــــه :
تــوفي رحمه الله و رضي عنه في أواخر شهر ديسمبر 1922 ميلادية عن عمر ناهز التسعين أفناه في خدمة الله و الوطن و عامة الناس خاصة ضعفاؤهم فخلف جيلا من الأتباع المريدين و المحبين و أبناء علماء مكنوا لهذا الدين في هذا البلد الأمين على مر السنين.
فرحمه الله و اسكــنه فسيح جناته آمين
نبـــذة عن حيــــاة الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف
شخصيته :
شخصيـة صوفية من القرن العاشر الهجري يعتبر الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف من بين الأولياء الذين نالوا شعبية واسعة في شمال إفريقيا.
و خاصة في أوساط سكان نواحي العاصمة و الجنوب الوهراني و بعض مناطق من المغرب الأقصى حيث كان ينسب إليه كرامات ومجموعة من الأقوال حول البلدان و المدن و القبائل المختلفة كان له تأثير كبير بالمغرب بفضل عمله و نشاطه السياسي الهام أثناء حكم العثمانيين بالجزائر .
حياته و أعماله :
ولــد أحمد بن يوسف بقلعة بني راشد بجبال بني شوقران جنوب شرق مدينة معسكر في أواسط القرن الخامـس عشـر 1435 و ينتمي إلى عائلة بني مرين الزناتية جاءت من مراكش لتقيد بجوار قبائل هوارة التي كانت تتمتع بشهرة كبيرة بغرب المغـرب الأوسـط. و إسم أحمد بن يوسف الكامل هو أبو العباس أحمد بن يوسف المريني (نسبا ) و الهواري (دار ا ).
و الراشـدي (نشأة ) و الملياني (وفاة ) ابن محمد . وكان يعرف باسم سيدي أحمد بن يوسف ، تخرج أحمد بن يوسـف من مدرسة تلمسـان الفكريــة في أواخر القرن التاسع الهجري و هي مدرسة محمد السنوسي ثم أصبح من تلاميـذ الشيخ أحمـد زروق البرنوصي ببجاية المتوفـي بطرابلس سنة 1494م و الذي كان بمثابة مرشده الروحي حيث أرشده إلى الطريق الشاذلي .
و لعل أحمد بن يوسف هو أكبر شخصية صوفية خصصها المؤلفون بالدراسة و تاليف الأشعار أهمها تأليف تلميذه محمد الصباغ القلعي التي أصبحت مصدرا لكل الدراسات عن شخصيته و حياته الصوفية عموما في الجزائر خلال القرن العاشر الهجـري . و تأليف الشيخ علي بن أحمد بن حاج موسى الجزائري في القرن التاسع عشر . و من مؤلفاته كتــاب ” رسالة في الرقص و التصفيق و الذكر في الأسواق “.
و عندما رجع أحمد بن يوسف إلى موطنه الأصلي تزوج مرارا و أقام زاويته برأس الماء و التفت حوله جموع غفيرة من الموردين الذين تحمسوا لإتباع طريقته و بلغ عددهم 80.000 مورد ، و إشتهرت زاويته إشتهارا فائقا حتى قيل عنها كمركب سيدنا نوح من دخلها فقد سلم من كل سوء .
و انتشـرت طريقة أحمد بن يوسف الشاذلية في الجزائر و في المغرب الأقصى بسرعة أثناء حياته – و قال : إن الله قد أعطاه علم الظاهر و الباطن و طلب من الله تحقيق ثلاثة أمور فحققها له في ليلة واحدة و هي العلم بدون مشقة و بلغة فوق مبلغ الرجال و أراه الرسول صلى الله عليه و سلم في اليقظة لا في المنام – و قد اضطهد اتباع أحمد بن يوسف و تعرضوا للمضايقة في المغرب الأقصى و الجزائر من الزيانيين .
و خشيت الدولة الزيانية من اتساع نفوذ الشيخ أحمد بن يوسف . فأمر السلطان بقتله ، و كانت عامل وهران قائد هوارة و أمر بالرحيل ، فلما ارتحل من موطنه ليقيم زاويته بهليل بين قبـائل بنـي أردو قال : ” شوشوا علينا يشوش الله عليهم من البر و البحر ” فلم يمضي إلا قليل حتى أخذ السبان وهران و الأتراك تلمسان . و قد هـز الشيخ أحمد بن يوسف كيان الدولة الزيانية بالتجمعات مع أتباعه التي كان يعقدها برأس الماء و وهران و تلمسان و اشتد الخـلاف بينـه و بيـن الزيانييـن ، مما اضطـر كل من الملك أبو عبد الله (1505-1516) و أبو حمو (1516-1528) وضعه تحت نفوذهما و حاولا حبسه و اغتياله و حرقه و لكن لم تلتهمه و خرج منها سالما و دعا عليهم من جديد بتخريب ملكهم .
و لعـب الشيخ أحمد بن يوسف دورا سياسيا هاما خلال هذه الفترة ,حيث كلنت له اتصالات مع العثمانين قبـل 1517 و خاصة مع عروج الذي التقي مع الشيخ سرا بغرب الجزائر و اتفق معه في عدة أمور ضد مملكة تلمسان و قد أثمر هذا الإتصال بتحالف و تأبيد التزم به الطرفان طيلة العهد العثماني –و كرم خير الدين باروس أحمد بن يوسف في عـدة مناسبات بإرسال هدايا ثمينة باركة الشيخ عليها كثيرا . كما كان الشأن بالنسبة لإبنه محمد بن مرزوقة و اعترف به كخليفة لوالده في رئاستة الطريقة الشاذلية و نشر دعوتها –و ظلت هذه العلاقات سائدة بين العثمانين و أهل الطريقة اليوسفية حتي نهاية العهد التركي بالجزائر .
توفي أحمد بن يوسف بضواحي قرية الخربة بسهل الشلف في صفر 931هـ 25/1524 عند خروجه من تلمسان قاصدا الشرق و حملت جثته على ظهر بغلة و تابعت سيرها إلا أن توقفت بأحد أحياء مدينة مليانة أين كان مثواه الأخير .
وصف الضريح :
يقع ضريح الولي الصالح أحمد بن يوسف بمدينة مليانة جنوب غرب الجزائر العاصمة , و هو عبارة عن مبني قديم يحتوي علي صحن مربع محاط بثلاثة أوراق مكونة من عقود ترتكز على أعمدة و بوسط الصحن توجد نافورة ماء زادت المبني جمالا .
أما قاعة الضريح فهي ذات شكل مربع مغطاة بقبة ثمانية الأضلاع ترتكز على ثمانية أعمدة . و تكسو الجدران مجموعة من البلاطات الخزفية ذات الألوان و الأشكال المختلفة الرائعة . و يتوسط القاعة قبر الولي محفوضا بتابوت خشبي مزخرف.
متي بني الضريح و من أمر ببنائه ؟
إذا اعتمدنا على المعطيات المعمارية و الفنية التي يتميز بها ضريح أحمد بن يوسف ندرك بكل وضوح أنه يرجع إلي العهد العثماني حيث قام ببنائه محمد الكبير باي وهران في آواسط القرن الثامن عشر . كما تم العثور بالضريح على لوحة تذكارية تحمـل تاريخ بنـاء الضريـح و هذا نصها زاويـة الشيخ المجاهد في سبيـل الله القطب الجليـل سيدي أحمد بن يوسف 1192هـ/1774م.
الضريح و مكانته الإجتماعية :
يعتبـر ضريح أحمد بن يوسف مركزا شعائريا هاما لمدينة مليانة فهو يعد بمثابة النواة الرئسية أين تكمن روح العـادات و التقاليد الشعبية للمنطقة و مازالت زاوية أحمد بن يوسف بمليانة تستقبل جموع الزوايا الوافدين إليها من كل حدب و صوب لزيـارة قبر الولي الصالح . و في هذا السياق يفيدنا الدكتور شاوو بقوله :…”و في فصل الربيع يقدم اليها (أي مليانة ) من الجزائر و البليدة و النواحي الأخري جموع الزوار ليتبركون بوليها الصالح سيدي أحمد بن يوسف “.
و ينسب إلي الضريح عادات إجتماعية و شرعية و دينية مازال أهل مليانة و بعض النواحي من البلاد متمسكين بها .
أ) العادات الإجتماعية : نذكر صلوات الجنازة و إيقام حفل الإختتان و الأعراس
ب) العادات الشرعية :أداء القسم
ت) العدات الدينية : تتمثل في الإحتفال بالمولد النبوي الشريف و الركبان الموسمية و هذه العادة تعتبر من أقدم العادات الشعبية التي نسبت للضريح حيث تنظم كل سنة تبركا و تكريما للولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف.
و من أهم هذه الركبان نذكر :
-ركب بني فرح الوافد من دوار العناب و دوار بني غمريان و بوهلال بنواحي شرشال في نهاية موسم الربيع
-ركب بني مناصر يشمل نواحي بن علال و عريب و عين الدفلى .
و بهذه المناسبة كانت تقام الأفراح طيلة ثلاثة أيام في جو حماسي بهيج حيث تزين ساحة الضريح و شوارع المدينة يقدم بائع الحلويات و الموسيقيون بآلاتهم التقليدية و الفرسان بخيولهم و بنادقهم – و من مدخل المدينة يسير جميع الزوار في موكب رائع نحو ضريح سيدي أحمد بن يوسف حاملين البنود و مهللين قصائد دينية .
و بداخل الضريح تلتفت النساء حول التابوت و يتشبكن بغطائه الحريري و يتمتمن عبارات من الدعاء توسلا بالولي الصالح ثم يقدمن هدايا أو نقود للوكيل ، و بجنبيه جماعة من حفاظ القرآن الكريم يتلون آيات من المصحف الشريف .